"جزيرة غمام".. صراع درامي بين السلفية والصوفية

"جزيرة غمام".. صراع درامي بين السلفية والصوفية

3 تلاميذ لشيخ واحد، تولى تربيتهم وتعليمهم أصول الدين منذ صغرهم حتى صاروا رجالا، ليرحل ويتركهم يتصارعون بين الحق والباطل والمذاهب الفقهية المختلفة. 

الثلاثة رجال هم "عرفات" و"يسري" و"محارب" أبناء بالتربية وتلاميذ للشيخ الحكيم "مدين"، في المسلسل المصري "جزيرة غمام"، للكاتب عبدالرحيم كمال والمخرج حسين المنباوي، وهو العمل الفني الذي أثار جدلا واسعا خلال رمضان. 

وفي لحظة وداع الشيخ مدين الذي قام بدوره الفنان المصري عبدالعزيز مخيون، وزع تركته على تلاميذه، ليعطي "محارب" مكانته الدينية في المشيخة، كما يورث "يسري" منزله، لكنه سأل عرفات ماذا تريد ليجيبه الأخير "الرضا" فيمنحه الشيخ سره وسبحته ورضاه.

ويقوم بدور "محارب" الفنان فتحي عبدالوهاب، و"يسري" الفنان محمد جمعة، و"عرفات" الفنان أحمد أمين، ويبدأ المسلسل بسرد تفصيل علاقة كل منهم بالدين الإسلامي.

ويبدو "محارب" متمسكا بالرؤية السلفية المتشددة، التي تسعى لفرض أفكارها على الجميع، وبكل السبل المتاحة حتى لو كلفه ذلك استخدام السلاح والقوة، فيما يصنف "يسري" على أنه صاحب الاستغلال الشعبي للدين في الدجل والشعوذة.

أما شخصية "عرفات" فهي تمثل الرجل المتسامح الذي يعفو وينشر المحبة، وكأنه يبلغ رسالة مفادها أن "الإنسان موصول بربه وفي معيته وحمايته متى كان قلبه سليما وعامرا بالحب".

تلك هي الرسالة الرئيسية التي تدور حولها أحداث المسلسل، وهي أن الإنسان لا يحتاج إلى أوصياء أو شيوخ أو تفسيرات أو تراث للوصال مع الله، فالله يريد الإنسان محبًا لا خائفًا. 

في الدراما كما في الحياة، ينضم من يستخدم الدين للسيطرة على الناس مع من يستخدمه لخداعهم، فكلاهما لا يريد من الدين إلا المصلحة الشخصية وتحقيق المطامع حتى لو أظهر غير ذلك، في مواجهة من يحاول تحرير الناس من تلك السيطرة، بتذكيرهم بعبارة "الحلال بيّن والحرام بيّن، والاستقامة هي القلب السليم العامر بحب الله، لا في التفسيرات ولا في التراث".

ولأن الصراع بين الفريقين يحمل تفاصيل عديدة ومتشعبة في المسلسل كما هو في الواقع، أثارت شخصية عرفات كنموذج للصوفي الزاهد العابد الساعي لنشر الحب والتسامح، غضب المنتمين لتيارات الإسلام السياسي السلفية المتشددة، التي لا ترى في التدين إلا الخضوع لسلطة تفسيرات الشيوخ القدامى والحاليين.

وامتد الصراع إلى منصات التواصل الاجتماعي، إذ شن السلفيون هجوما على "عرفات" باعتباره ليس النموذج الصحيح للإسلام، متهمين إياه بـ"العيب في الذات الإلهية" باستخدام عبارات صوفية تحمل "كفرا".

وعادة ما تعتمد الصوفية على المجاز، وهو وجه من الإيمان، يتجرد الفرد فيه من حب السيطرة على حياة الآخرين، وهذا الاتجاه يرفضه السلفيون، ممن يسعون بشكل دائم إلى إجبار الناس على نسق ديني واحد، لذلك غالبا ما يروجون لمفهوم "الفرقة الناجية".

وهذا الاشتباك بين نماذج السلفي المتشدد والمتدين الشعبي، والصوفي الزاهد، أظهره المسلسل كما يحدث في الواقع بين أبناء الطرق الصوفية ودعاة التيارات السلفية، فالفريق الأخير يكفر الأول دون مواربة.

ويشير كبار شيوخ الطرق الصوفية إلى كراهية أتباع السلفية لهم بقولهم: "يكفروننا لأننا نحب آل بيت الله، ونذكر الله في الحضرات ومجالس الذكر، بينما يرفعون السلاح في وجه الناس لقتلهم ويصفون ذلك بالجهاد".

ويحمل المسلسل الدرامي عدة رسائل عن رفض المذهب السلفي على لسان بطله "عرفات"، أبرزها ما قاله في المناظرة مع "محارب": "محدش (لا أحد) يعظ الناس بالخوف والفقر إلا الشيطان، من يعرف ربه حقيقي يعظ الناس بحسن الظن والفرح، كل واحد فينا نعمة وعلشان تبقى نعمة كبيرة لازم تبقى نعمة ليك ولغيرك، اللي يكره حياته عمره ما يحب آخرته".

على  صعيد آخر، يطرح المسلسل صراعا بين الخير والشر، يبدو في شخصية "خلدون" الذي يقوم بدوره الفنان طارق لطفي، والذي يستطيع التحالف مع "محارب" و"يسري" ضد "عرفات"، في ثنائية يكشف عنها الكاتب على لسان خلدون قائلا: "محارب ويسري لديهما طمع في الدنيا، وبالتالي سهل السيطرة عليهم من هذا المدخل، لكن عرفات لا". 

والسلفيون لا ينتقدون في المسلسل نموذج الصوفي فحسب، بل تجسيدهم في نموذج شخصية "محارب" العنيد القاسي الذي يسعى لإخضاع الجميع لرغباته، ولا يشغله إلا تحقيق مصالحه الشخصية حتى لو استخدم القوة والسلاح في سبيل ذلك، إذ يعتبرون أن هذا النموذج لا يعبر عن السلفي ولا يستهدف إلا تشويه المتدينين.

غير أن الفصيل المناوئ لهم على منصات التواصل الاجتماعي، يرد على ذلك بأن فكر عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي والجماعات الدينية المسلحة منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928، هو نتاج الفكر السلفي المتشدد.

ولم يسلم إعلان مسلسل جزيرة الغمام من المناوشات الكلامية عبر منصات التواصل الاجتماعي، والذي ترنم بالبيت الصوفي "بعدتم ولم يبتعد عن قلبي حبكم.. وغبتم وأنتم في الفؤاد حضور" للشاعر الصوفي عبدالرحيم البرعي.

وبين الصوفية والسلفية خلاف عقائدي وجوهري، حيث يدعو أتباع الفريق الأول إلى ضرورة تعلم المعرفة الإسلامية من المعلمين والتفكر بها، وليس من الكتب والنقل الحرفي الظاهري فقط كما يعتقد أتباع السلفية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية